المرأة العاملة.. روح المسؤولية والشراكة الناعمة
المرأة العاملة تتفهم أكثر ظروف عمل الزوج والضغوط التي يواجهها
تظل مسؤولية المرأة التي تعمل في بيتها موضوعاً شائكاً يؤرق
بال العديد من النساء اللاتي يعملن وكذلك أسرهن، فهل أثر ذلك على سلوكيات
الجيل الحالي في الوقت الذي تغيرت فيه نمطية الحياة وتنوعت الاحتياجات وهل
أصبح لازماً أن تتغير طبيعة المسؤولية بين الزوجين وذلك بأن يتشاركا بشكل
عميق بمعنى ألا يكون الفراغ الذي يتركه أحدهم لظروف العمل شاغراً مما يتسبب
في حدوث خلل يؤثر على التنشئة العامة للأبناء مع العلم أن عمل المرأة من
ضروريات الحياة الاقتصادية وأحد العوامل المهمة لنهضة المجتمع فالمرأة
تعتبر الشريك الإستراتيجي للرجل تساعده في متطلبات الحياة ويعتبر العمل
السند الذي تتكأ عليه من تقلبات الزمان إن حدثت.
التوازن مطلب
يعلق د.خالد الحليبي - المشرف العام على مركز بيت الخبرة للبحوث
والدراسات الاجتماعية- أن عمل المرأة ليس محلاً للاختلاف أبداً ولكن السؤال
المطروح عن التعامل الخاطىء مع هذه القضية، تماماً لو أن الرجل تعامل مع
العمل بطريقة خاطئة أيضاً، بالسماح له بأن يتحول إلى عمل مَرَضِيّ، يطغى
على كل واجباته الأسرية، ويربك كل علاقاته الزوجية والوالدية، فإنه قد يحدث
موجات من الكبت والغضب التي قد تنتهي بانحرافات سلوكية لدى بعض أفراد
المنزل، وقد يكون ذلك سبباً في التفكك الأسري الكامل، بينما محور حياة
المرأة هو البيت ما دامت سيدة الدار، تحملت مسؤوليته منذ اللحظة التي قبلت
أن تكون فيها زوجة، وازدادت مسؤوليتها حين أصبحت أماً، ولو لطفل واحد،
وبهذا تجمع بين مسؤوليتين؛ العمل خارج المنزل، ومسؤوليات المنزل والزوج
والأولاد، فهي – في الحقيقة - تحمل أربع وظائف وليست وظيفة واحدة، حتى ولو
افترضنا وجود خادمة، فهي تحتاج إلى إدارة، وقد تكون مصدر قلق إضافي، وقد
تكون من أسباب الإهمال التربوي؛ حين تعتقد المرأة العاملة بأن الخادمة يمكن
أن تكون أماً بديلة، فتبدأ سلسلة من المشكلات التربوية حين تكتشف الأم
تعلق الأطفال بالخادمة أكثر منها.
وأضاف: أخذتُ آراء النساء اللاتي جمعن بين الوظيفة والحياة الزوجية،
فوجدت أن هناك حالات كثيرة، طغى فيها الطموح العلمي والوظيفي فيها على
الواجبات الأسرية، وقد تحقق فيها المرأة طموحها، ولكن النتيجة فقدان زوج أو
ضياع أولاد، هذه إحداهن، كانت في انبساط مع زوجها، واستقرار في حياتها
الزوجية، وهي موظفة مرموقة، طمحت في الحصول على درجة الماجستير مما تطلب
السفر الدائم إلى منطقة أخرى غير المنطقة التي تعيش فيها، فكانت النتيجة في
نهاية الدراسة زواج الزوج بامرأة لم تتجاوز المرحلة الابتدائية، في ردة
فعل واضحة، بينما اختارت سيدة أخرى أن تحقق طموحها العلمي وهي في بيئتها
بما يتيسر لها، حفاظا على أولادها الذين يمرون بمرحلة المراهقة، فلا خير في
نجاح المرأة إذا كان الثمن إخفاق أولادها، ولا ننكر أن من حق المرأة أن
تكون مستقلة ماديًّا ووظيفياً، لكن بين الاستقلال المادي والتمرد على
وظيفتها الأساس شعرة، والمرأة الحكيمة من تراعي الأوليات وتراعي ظروفها
وتوازن بين الأمور.
البديل مفقود
ويؤكد د.محمد الوهيد -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- أن غياب
الأم بالعمل وأحياناً انتقالها مسافات بعيدة عن مكان سكنها أظهر قضايا
اشكالية كالاعتماد على الخدم وما يجره من سوء معاملة الخادمات للأطفال
بالضرب، بل تزايدت الحالات عنفاً وبشاعة إلى حد القتل والخنق للأطفال فوق
التلويث الغذائي والفكري والتحرش الجنسي، فعادت الاسئلة القديمة للظهور، ما
جدوى عمل المرأة ؟ وما جدوى تعليمها الجامعي إن لم يكن عملها ممكناً
ومرغوباً؟ وهل الخادمة مربية؟ وما نوع الخدم وتأهيلهن لتربية الاطفال؟
والحقيقة أن كل الأسئلة والحلول السابق ذكرها أعلاه هي حلول وتساؤلات
مغلوطة؟ فالتعليم لا يقتضي العمل لذاته، كما أن العمل لا يقتضي إنفراد
الزوجة بمسؤولية تربية الأبناء ورعايتهم، فالحاجة اقتضت التضامن بالعمل
لتسهيل الزواج واحتمال تكاليف الحياة؛ والأبناء معطى ضروري لكل أسرة،
والخدم اضطرار لمن لا يملك قدرة توظيف المربيات المتخصصات، ولكن حتى أولئك
الخادمات الموظفات خادمات ومربيات وحاضنات نيابة عن الأم، هل تم فحص
قدراتهن، وهل كل فتاة تملك قدرة الرعاية والتربية؟ طبعاً لا، فما بالنا لو
كانت اللغة والدين والثقافة الاجتماعية مختلفة؟ وهل كل قادمة كخادمة تملك
سجلاً جنائياً خالياً من السوابق ومن الإدمان والعنف وتجارب السجون؟ والجدل
بين الأزواج بخروج المرأة للعمل اطفأه حاجة الأسرة الناشئة للدعم
والاستفادة من كل مورد متاح والخادمة يلجأ إليها اضطراراً لمواجهة خروج
الأم للعمل؟
الأسرة مهددة
ولفت د. الوهيد إلى دراسة قامت بها إحدى الطالبات عام 1436هـ على عينة
من الأسر الحديثة التكوين في مدينة الرياض واتضح أن (44%) من الأزواج كانوا
جامعيين بينما (55%) من الزوجات كن جامعيات، وبارتباط التعليم بالعائد
المادي للعمل وضرورة استخدام الخدم فهل تمكننا ثقافة المجتمع هنا أن ندعو
الزوج للبقاء بالبيت لرعاية الاطفال؟ والاعتماد على دخل الأم؟ أم نستمر في
استخدام الخدم رغم الاوضاع غير السليمة لكثير منهم؟ فالانحراف أحد آثار
عوامل مختلفة تؤثر على سلوك الأطفال كثيراً وتقود بعضهم شباباً إلى أحد
مسارين إما الانحراف الأخلاقي أو الانحراف الفكري؟ والملاحظ وليس هناك
إحصائية محددة ولا يوجد كذلك ربط منطقي للانحراف أساسا بالخدم سوى أن
المعرفة العلمية أكدت أن (85%) من سلوك الأبناء ناجم عن رواسب محاكاتهم
للمربين في السنين الأولى من أعمارهم.
وبين أنه وقبل أن نستعجل الحكم بالظاهر فنربط الانحراف السلوكي
والاخلاقي بالخدم والتطرف بالأمهات يجب أن نتنبه أن العوامل الآخرى
المختفية خلف الظاهرة قد تنفي هذا الارتباط الافتراضي الظاهر، إذ قد يكون
من لديهم خدم أقل تقليدية في القيم الاجتماعية، وقد يكونون أيسر حالاً
وأوفر مالاً وأكثر انفتاحاً ثقافياً أصلاً، فالارتباط قد يكون ناجماً عن
قيم الأسرة إجمالاً بنوع الانحراف أخلاقياً كان أم فكرياً، ولكن خروج
المرأة للعمل وترك الأبناء للخدم يشكل خطورة على ثقافة المجتمع عموماً،
وعدم تعليم الأم أو عملها لا يقي من الانحراف الفكري والتطرف ولا يجلبه
حتماً؛ لكن التوازن في الأمور وعدم التهاون بالتأثير الثقافي للخدم وعلى
الاطفال وعلى سلامتهم والنفسية أمر تجزم به المدارس العلمية المختلفة من
نفس واجتماع وتربية وطب.
وأكد د.الوهيد أن عمل المرأة ليس مانعاً للانحراف ولا جالباً له
بأنواعه، ولكن التبصر قبل الإقدام على قرار الاعتماد على الخدم أو قرار ترك
العمل، وذلك عن طريق البحث عن حلول متجددة ومناسبة، موضحاً انه وفي ضوء
الكثير من الدراسات اتضح أن عمل المرأة مطلوب لدعم الأسرة ابتداء ثم تلام
عليه المرأة انتهاء فالحوار بين الزوجين المتعلمين أكثر سلاسة وجدوى وكذلك
الزوجان العاملان المتعلمان يدركان ويختصران كثيراً من مواضع الجدل
ويحسمانها بحكم اتضاح التجربة الحياتية، واشتراك الرؤية بينهما.
سيدات اليوم أمام تحدي المهمات المزدوجة في المنزل والعمل
آثار متفاوتة
وأضحت نورة الحمودي -استشارية أسرية- أن هناك دراسات تثبت وجود آثار
سلبية لعمل المرأة مثل الانشغال عن الزوج والأبناء ومتطلبات هذه الحياة،
وما قد يؤدي إلى تفكك أسري وانعكاسات مستقبلية على سلوكيات الأبناء
وانحرافاتهم، ولكن يجب ألا نغفل أن هناك دراسات أخرى حديثة تشير إلى الأثر
الإيجابي لعمل المرأة والذي ينعكس على حياتها الزوجية والأسرية حيث تصبح
المرأة أكثر وعياً بمتطلبات هذه الحياة وبمتاعب الزوج وما يعانيه من مشاق
في رحلة العمل اليومية، وبما يكتنف هذه الرحلة من هموم وضغوط عمل تنعكس
أحيانا على الزوج داخل منزله، كما تشير بعض النتائج إلى أن المرأة تصبح
أكثر انضباطاً من ناحية السلوك الاستهلاكي، وتكون خير عون لزوجها لأجل بناء
مستقبل الأسرة، كما تصبح الأم العاملة أكثر وعياً بتحديات الواقع وما قد
يواجهه الأبناء من مصاعب في حياتهم خارج المنزل.
وأكدت الحمودي أن المرأة العاملة تواجه عدة صعوبات لأجل التوفيق بين
العمل وواجباتها المنزلية والأسرية الزوجية خاصة في ظل المتغيرات
الاقتصادية الأخيرة وفي ظل مشكلة عدم توفر عاملات المنازل مثل السابق،
ولأجل تفادي هذه المشاكل ومواجهة هذه التحديات يجب أن لا نغفل دور جميع
أعضاء الأسرة من زوج وزوجة وأبناء في التكاتف لأجل المصلحة العليا للأسرة،
فالمعلومة في كيفية التوفيق بين هذه الأدوار أصبحت متوفرة من خلال وسائل
التواصل الاجتماعي المتنوعة ومن خلال دورات التعليم عن بعد التي حققت
الكثير من النجاح من ناحية عدد المشاركين والمشاركات في هذه الدورات يتبقى
فقط إيقاد روح العزيمة لأجل تنفيذ ما تطرحه هذه الدورات من توصيات مثل
تزكية روح الاعتماد على النفس لدى الأبناء في تنظيف غرفهم على سبيل المثال
واستفادة الأم من التقنيات الحديثة التي توفر لها الجهد والوقت في تنفيذ
مسؤولياتها المنزلية، ومشاركة الزوج لزوجته في هذه المهام، مما يعني
الاستغناء عن العاملة المنزلية وما يرتبط بوجودها عادة من سلبيات.
عمل المرأة يضبط السلوك الاستهلاكي لدى الأسرة أمام متطلبات الأبناء المتزايدة
السيدات أمام مهمات مزدوجه في المنزل
وفي العمل تتطلب الموازنة والإيفاء بكل منها
|